وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية
إدارة الدراسات الإسلامية
دار القرآن الكريم
الطبعة الثامنة
1418هـ 1997م
بسـم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى:
شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{18} صدق الله العظيم
[ سورة آل عمران آية 18 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فهذا مقرر العقيدة للفصل الدراسي الثاني نقدمه لإخواننا الدارسين وأخواتنا الدارسات نستكمل فيه ما سبق أن بداناه في الفصل الدراسي الأول.
وإذ نقدم هذا الجهد المتواضع لإخواننا الدارسين وأخواتنا الدارسات نرجو من الله عز وجل أن يجعل فيه النفع لهم والثواب لنا.
والله ولي التوفيق.
وزارة الأوقاف ـ إدارة الدراسات الإسلامية
دار القرآن الكريم
الفصل الأول
الإيمان بالرسل
· من هو الرسول؟
· الرسالة اصطفاء من الله تعالى.
· صفات الرسل.
· عصمة الرسل.
· الوحي: معناه، طرق التلقّي.
· مهمة الرسل.
· حاجة الناس إلى الرسل.
· السبيل إلى معرفة الرسل.
قال الله تعالى:
( وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ )
[ سورة النساء: 164 ]
الإيمان بالرسل
تمهيد:
تقوم العقيدة الإسلامية على أركان ستة هي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره قال تعالى:
( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ) [1].
وجاء في حديث جبريل عليه السلام حين سأل النبي r عن الإيمان فقال: ( الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره )[2].
من الآية الكريمة والحديث الشريف يتبين لنا أن الإيمان بالرسل هو أحد أركان الإيمان، فلا يحل لمسلم أن ينكر رسالة رسول، بل الذي يجحد رسالة رسول أو ينكر نبوة نبي يخرج نفسه من الملة، ويصبح من الكافرين، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً{150} أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً [ [3]
وقد قص الله تعالى علينا في القرآن الكريم قصص خمسة وعشرين نبياً ورسولاً وسكت عن الباقين. قال تعالى: )وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ[4][.
فمن هم هؤلاء الرسل؟ وما صفاتهم؟ وما هي مهماتهم. وما السبيل إلى معرفتهم؟
هذا ما سنتناوله في هذا الفصل:
أولاً ـ من هو الرسول:
الرسول رجل حر اجتباه الله تعالى من الأمة التي يبعث فيها، واختصه بالرسالة، وكلفه بتبليغها، ومنحه من الصفات ما يهيئه لتلقي الوحي الإلهي، وما يمكنه من تحمل مسئولية دعوة الله تعالى. ويمكن تفصيل ذلك فيما يلي:
( 1 ) الرسول بشر:
فالرسول بشر من الناس، يعيش عيشة البشر، يأكل الطعام مثلهم، ويمشي في الأسواق، قال تعالى:
)وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ([5].
ألا أن الله تعالى اختصه بالرسالة من بين هؤلاء البشر، وميزه عليهم بالوحي إليه. قال تعالى:
) قلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ [[6].
وهو كبقية الناس يتزوج، ويكون له ولد، قال تعالى:
) و َلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً[7][.
وهم يتعرضون لما يتعرض له الناس من الصحة والمرض، والقوة والضعف،والحياة والموت، قال تعالى:
) وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ{83} فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ [ [8].
وقال تعالى:
) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً [[9]
وهم ـ برغم منزلتهم عند الله تعالى ـ لا يملكون النفع ولا الضر لأحد من الناس ولا لأنفسهم، ولا يعلمون الغيب إلا بالقدر الذي أراده الله تعالى، قال تعالى:
) قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[ [10].
وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون رسله إلى الناس بشراً منهم ليسهل التواصل بينهم وبين الناس وليتم التفاهم، ولتكون سيرهم صوراً حية، ونماذج سامية لما يدعون إليه، فتصدق أقوالهم وأفعالهم، ويكونوا بذلك موضع اقتداء وتأس من قبل أتباعهم والمؤمنين بهم. ولذلك رد الله تعالى على الكفار الذين طلبوا أن يكون الرسول ملكاً من الملائكة بقوله:
) قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَّسُولاً [[11].
فلو أنزل الله تعالى رسولا من الملائكة لما تمكنوا من الاقتداء به والتأسي بأفعاله، لتباين الطبيعة والقدرة، ولأدى ذلك إلى عزلة الناس عنه، وعدم مقدرتهم على متابعته في أفعاله.
( ب ) الرسول رجل:
إن الله تعالى بعث الرسل لمواجهة الانحراف الذي يطرأ على عقيدة التوحيد، ولتغيير الأوضاع الفاسدة التي تسود الناس، ولإزالة سلطان الطغاة الذين يتجبرون في الأرض بغير الحق، ويتحكمون في أعناق العباد من دون الله، ويبعدونهم عن عبادة الله تعالى:
وهم ـ إلى جانب ذلك ـ يعلمون من أجل بناء المجتمع المؤمن الذي يأخذ على عاتقة الحفاظ على دين الله تعالى، وإبلاغه للعباد وهم في مأمن من شر الطغاة. ولا يخفى أن هذه مسئوليات تتطلب الصبر على الأذى والاضطهاد، والمرأة لا تستطيع تحمل مثل هذه الأعباء الجسام، كما أن الرسالة ولاية وقيادة، وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون الرسول رجلا ولا يكون امرأة وذلك لأن الله تعالى يعلم أن الرجل أقدر على تحمل مسئوليات الرسالة، وهو الخالق لكل من الرجل والمرأة.
( ج ) الرسول يوحى إليه:
وقد امتاز الرسل على غيرهم من البشر بأن الله تعالى اختارهم لتبليغ رسالاته للناس، فهو يوحي إليهم أوامره ونواهيه، ويطالبهم بتبلغها للعباد فلا يتصرفون إلا بوحي من الله تعالى.
واختار الله تعالى جبريل عليه السلام ملكاً للوحي بينه وبين رسله.
ثانياً: الرسالة اصطفاء:
اصطفى الله تعالى رسله، واختارهم من بين عباده بنفسه، وحباهم برعايته، ومنحهم من الصفات ما جعلهم نماذج فذة، يقتدى بها في الحياة، فكانوا موضع عناية طيلة حياتهم قبل الرسالة وبعد الرسالة، فهيأهم لتحمل مسئوليات الرسالة السماوية، فمنحهم من صفات الكمال الإنساني ما جعلهم بحق أئمة البشر، تهفو قلوب العباد إليهم، وتتجه نفوس المخلصين ممن سلمت فطرتهم إلى هداهم الذي هو هدى الله. فالرسالة إذاً هبة من الله تعالى لنفر من عباده اختارهم لقيادة الإنسانية في طريق الخير والسعادة والفلاح. قال تعالى:
) اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ[[12].
وقال تعالى:
) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [[13].
ثالثاً ـ صفات الرسل:
امتن الله على رسله بصفات الكمال الإنساني، ومنها:
الصدق:
جعل الله تعالى الصدق خلقاً ملازماً لأنبيائه ورسله، فهم المبلغون عن ربهم، ولا يصح الكذب في حقهم، ولقد كانوا بحق صادقين مع أنفسهم فلم يقولوا أو يفعلوا إلا الحق، وكانوا صادقين مع الناس، فلم يحدثوهم إلا صادقين، ولم يتعاملوا معهم إلا على أساس الصدق، وكانوا صادقين مع الله تعالى، بلغوا رسالات بهم كما أنزلت عليهم، وتحملوا في سبيل ذلك العنت والاضطهاد والاستهزاء، فما زادهم هذا إلا ثباتاً على الطريق الذي هداهم الله تعالى إليه.
ولقد جربهم أقوامهم، فلم يجدوا منهم إلا الصدق في القول والعمل، ووصفهم الله تعالى بالصدق في آيات كثيرة في القرآن الكريم. قال تعالى في وصف يوسف عليه السلام:
) وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ[ [14]
وفي وصف إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام قال تعالى:
) وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً[[15]
وفي حق إدريس عليه السلام قال تعالى:
) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً[ [16].
وهذا أبوسفيان يشهد للرسول r بالصدق ـ برغم أنه كان من ألد أعدائه يوم ذاك ـ حين سأله هرقل: " هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال: لا، قال هرقل: أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله "[17] وكان قومه يلقبونه قبل البعثة بالصادق الأمين.
2ـ الأمانة:
اتصف الرسل عليهم السلام بالأمانة التامة في كل شيء فكانوا أمناء على دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، يحافظون على عهودهم ومواثيقهم، فالخيانة بعيدة عن سلوكهم، قال تعالى:
) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ [[18]
وجاء على لسان هود عليه السلام:
) وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ[ [19].
ولقد كانت الأمانة خلق النبي r كما كانت خلق جميع الأنبياء. فهذه السيدة خديجة رضى الله عنها تعرض عليه أن يتاجر لها في أموالها وذلك قبل البعثة لما كانت تسمع عن أمانته. ولا عجب أن نجد كفار قريش برغم عدواتهم له، يقبلون على وضع أموالهم عنده، وبرغم تآمرهم عليه ليلة الهجرة. فإنه لم يخنهم، وأبقى على بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ في مكة ليرد الأمانات إلى أهلها. إنه خلق النبوة.
وقد ائتمنهم الله تعالى على وحيه. وجعله أمانة في أعناقهم، فكانوا عليهم السلام يبلغون عن ربهم كل ما ينزل إليهم حتى ما كان يتعلق بأشخاصهم من عتاب الله لهم على بعض التصرفات. فهذا رسول الله r يجهر بحادثة الإسراء والمعراج، وهو يعلم ما يترتب على ذلك من صد وأذى. وبلغ آية العتاب في أسرى بدر قال تعالى:
) مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ[20] [.
وبلغ سورة عبس برغم ما فيها من عتاب له على موقفه من عبدالله بن أم مكتوم.
3ـ الفطنة والذكاء:
اختار الله تعالى رسله من أقوامهم. وجملهم بالفطنة والذكاء، ورجاحة العقــل، وسداد الفكر، بل هم في مقدمة البشرية في ذلك، وإذا تتبعنا مواقف الرسل في القرآن الكريم. فإنا نجد رجاحة العقل و سداد الرأي صفتين ملازمتين لهم جميعاً، حيث كانوا يقابلون الحجة بالحجة الأقوى منها، ويدحضون آراء خصومهم، ويبينون فساد آرائهم وأفكارهم، ويقيمون الدليل تلو الدليل على صحة أقوالهم ودعواهم. فهذا نوح عليه السلام بعد ما أقام الحجة على قومه وبين فساد آرائهم ومعتقداتهم لم يتمكنوا من الرد عليه إلا باستعجال العذاب، فقاموا كما حكى القرآن الكريم:
) يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ[21] [
ومن الأمثلة على رجاحة عقل النبي r قبل البعثة في قصة الحجر الأسود لما اختلفت القبائل على وضعه في مكانه في بناء الكعبة، فجاءهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بحل أرضى به الجميع، وأما بعد البعثة، فإن رجاحة عقله تظهر في كل من خطوات بناء الجماعة المسلمة، وبناء الدولة الإسلامية، في المدينة المنورة، وبناء المجتمع الإسلامي الذي تحمل مسئولية الدعوة الإسلامية في زمن الرسول r وتحملها بعدما انتقل r إلى الرفيق الأعلى.
4ـ كرم النفس:
لا يصلح للدعوة بخيل ولا حقود، إنما يصلح لها من زكت نفسه، وتطهر قلبه من الغل والحسد، وتحلى بالأخلاق الطيبة، من عفة وحياء وحلم، وترفع عن الدنايا، وابتعد عن الاعتماد على الغير، وهذه أخلاق الأنبياء، فقد زكت نفوسهم، وخلت قلوبهم نم الغل والحسد، وكانوا في الكرم كالريح المرسلة، واعتمدوا على أنفسهم في تأمين معاشهم، فلم يقبلوا من أحد صدقة. فهذا نبي الله داود كان يأكل من عمل يده، وهذا موسى عليه السلام رعى الغنم عند شعيب عليه السلام، وهذا محمد r رعى الغنم لقريش، واشتغل في التجارة لخديجة بنت خويلد، قال r:
[ كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة[22] ].
5ـ الثبات على الحق:
إن القارئ لآيات القرآن الكريم يلمس بوضوح في قصص الأنبياء عنصر الثبات على الحق، فما كانوا ييئسون، ولا كانوا يكلون، بل كانوا يستهينون بكل الصعوبات، ويتحملون الصد والتعذيب والاستهزاء الذين كانوا يلاقونه من أقوامهم في أثناء تبليغ رسالات ربهم.
فهذا نوح عليه السلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى دين التوحيد. وما وهنت عزيمته، ولا مل لطول الزمان، ولكنه ثبت على الحق الذي بعث به حتى أوحى الله له أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن.
قال تعالى:
) َأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [23] [.
وهذا إبراهيم عليه السلام قد ثبت على دعوة الحق برغم موقف قومه منه، حيث وصل بهم الأمر إلى حد إلقائه في النار، فحفظه الله من مكرهم.
قال تعالى:
) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ[ [24].
وهذا موسى عليه السلام ثبت أمام طغيان فرعون وملئه وحاورهم وأقام الحجة عليهم، ولم يفكر بترك مصر برغم كل المشقات التي صادفها، إلا بعدما جاءه أمر الله بالرحيل. قال تعالى:
) وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى{77} فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ{78} وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى[[25].
وهذا محمد r ثبت على الحق برغم مواقف كفار مكة، بل برغم المغريات التي قدمها زعماء قريش له، فقد عرضوا عليه الزعامة والجاه ليكون ملكاً عليهم، وعرضوا عليه المال ليكون أغناهم، فرفض ذلك كله، وأجابهم بكلمات واضحة ثابتة: ( والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر، ما تركته حتى يطهره الله أو أهلك دونه ) إنه ثبات الأنبياء.
هذه أهم صفات الرسل: الصدقة، والأمانة، والفطنة والذكاء، وكرم النفس، والثبات على الحق، فما علينا إلا التأسي بهذه الأخلاق الكريمة، واكتسابها من سيرهم كما اكتسبها حواريوهم وأصحابهم، وقد تمثلت جميع الأخلاق الطيبة في الرسل جميعاً، وتركزت في محمد r آخرهم وفاتحهم والذي استحق من به أن يقول الله فيه:
) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[ [26]
وصفات أخرى كثيرة تمثلت في هؤلاء الرسل الكرام كالشجاعة والحلم والعدل والإحسان والرحمة والسماحة وغيرها من كل خلق حميد.
رابعاً ـ عصمة الرسل:
اصطفى الله تعالى رسله من بين البشر، وكانوا موضع عنايته وتكريمه، فرباهم فأحسن تربيتهم، وأدبهم فأحسن تأديبهم حتى بلغوا الغاية في السمو الروحي، والعلو الخلقي، والصلة الوثيقة بالله تعالى، فتأسى بهم الناس، واتخذوهم قدوة لهم في حياتهم، فكانوا بذلك صفوة البشر، قال تعالى:
) إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ[ [27]
( أ ) حدود العصمة:
وقد عصمهم الله تعالى من الزلل في التبليغ عنه، فلا يزيدون على وحي الله تعالى شيئاً، ولا ينقصون منه شيئاً. إذ لو تطرق الشك إلى عصمتهم فيما يبلغون عن ربهم في مسألة واحدة، لتطرق الشك إلى نبوتهم ورسالتهم، وقد أشاد القرآن بطاعتهم المطلقة لله تعالى، قال تعالى:
) أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ{89} أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [ [28].
وقد عصمهم الله تعالى من كل معصية سواء أكانت من الكبائر أم من الصغائر، فهم لا يتركون واجباً، ولا يفعلون محرماً، أما الأمور التي لا يترتب عليها إثم فيصح أن تقع منهم تحقيقاً وتأكيداً من الله تعالى لا يقرهم على خطأ وإنما يتعهدهم بالتصحيح والتوجيه.
( ب ) مفهوم العصمة:
في ضوء ما سبق يمكن تحديد مفهوم العصمة: بأنها تنزيه رسل الله عن ترك واجب أو فعل أو اقتراف ما يتنافى مع الخلق الكريم، وهي داخلة تحت الإيمان بالرسل.
( ج ) وقت العصمة:
تكون العصمة للأنبياء بعد بعثتهم، لأنها مع النبوة والرسالة، وقد شهدت لهم النصوص القرآنية بالنزاهة والصدق وجوامع الأخلاق الكريمة، حتى كانوا أئمة للخير والهدى على مدار التاريخ. قال تعالى:
) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ[ [29].
وقال تعالى في حق النبي محمد r لرد ادعاءات قريش بأن القرآن الكريم ما تأليفه ما نصه:
) َلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ{44} لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ{45} ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ[ [30].
وذكر القرآن الكريم تقيده بوحي الله تعالى في قوله:
) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى[[31]
( د ) رد الشبهات:
أما ما ورد في القرآن الكريم حول بعض الأنبياء مما يوحى بارتكابهم للمعاصي فلا يؤخذ على ظاهره، وإنما له وجه يفهم عليه، ومن ذلك:
1ـ ما ورد في حق آدم عليه السلام في قوله تعالى:) وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى[ [32]
فظاهر الآية يفيد بأن آدم عليه السلام عصى ربه واستجاب لدعوة الشيطان، ولكنا إذا أمعنا النظر في هذه القضية، فإنا نجد أن هذه المخالفة وقعت من آدم نسياناً منه لعهد الله، ولم تصدر منه عن إرادة وتصميم، والله. تعالى لا يؤاخذ بالخطأ والنسيان، قال تعالى:
) وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [33] [.
وقد بين القرآن الكريم أن هذا الأمر وقع من آدم عليه السلام نسياناً في قوله تعالى:
) وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً[34] [
أي أنه نسى عهد الله الذي وصاه به، وهو الأكل من الشجرة وقد اعتبر الله تعالى هذا النسيان من آدم عليه السلام لمقامة منه، إذ كان الأولى أن يكون يقضاً بحيث لا ينسى الله تعالى. وقد وقع هذا الأمر منه قبل النبوة.
2ـ أما ما حكاه القرآن الكريم على لسان إبراهيم عليه السلام حين قال:
) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ[35] [.
فهذا من قبيل الشعور بالقصور في بذل المزيد من الطاعات، والتفاني في أداء الرسالة، وإلا فليس لإبراهيم عليه السلام معصية معروفة، بل هو المصطفى في الدنيا والآخرة كما حكى القرآن الكريم في قوله تعالى:
) وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ[36] (.
3ـ وأما ما حصل مع يوسف عليه السلام في قصة امرأة العزيز في قوله تعالى:
) َلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ [37] [.
فليس المقصود الهم بالفاحشة، وإنما المعنى أنها همت بضربه حينما راودته عن نفسها فامتنع، فأراد أن يدافع عن نفسه، فتذكر فضل سيده عليه، وأنها سيدته التي ربته، فلم يقدم على ضربها، فاتجه نحو الباب ليخرج من هذا المأزق، ولكنها أبت إلا أن تثأر لنفسها منه لأنه لم يستجب لنزوتها، قال تعالى:
) وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ [38] (.
فالهم هنا كان هماً بدفعها أو ضربها، وقد استخدم القرآن الكريم هذا المعنى في آيات أخرى، قال تعالى:
) وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ( [39].
4ـ وأما ما ورد في حق محمد r في مثل قوله تعالى:
) إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً{1} لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ[[40].
فإن ظاهر الآية يفيد أن النبي r يقع في الذنوب، وهذا يتنافى مع نبوته ورسالته، ولكن الآية تبين منزلته العظيمة عند ربه.
وأما ما وقع له من عتاب في مواضع من القرآن الكريم، فإنها لا تفيد وقوعه في المعاصي كما جاء في قصة أسرى بدر عندما فاداهم، فإنه عليه الصلاة والسلام لم يرتكب معصية، ولم يخالف أمر الله تعالى، بل بقول الله تعالى:
) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا[[41].
وقد نزلت هذه الآية من سورة محمد قبل غزوة بدر وقبل سورة الأنفال، التي جاءت بقصة الأسرى ومفاداتهم. ولكنه r عمل خلاف الأولى، إذ كان من الأولى ألا يفادى الأسرى حتى يقضى على رءوس المشركين.
وكذلك ما وقع منه في قصة عبدالله بن أم مكتوم في سورة عبس، فإنه r كان منشغلاً مع زعماء قريش طمعاً في إسلامهم الذي لو تم لأسلم عدد غفير بإسلامهم، فعاتبه الله تعالى على إنشغاله بهؤلاء الكفار عن عبدالله المسلم الذي قدم ليتعلم منه الإسلام. وهو بهذا لم يقع في المعصية، وإنما كان الأولى ألا ينشغل عن هذا المسلم.
مما سبق يتضح أن الرسل والأنبياء معصومون من الوقوع في المعاصي والآثام، ومعصومون من الوقوع في الخطأ في التبليغ عن ربهم.
خامساً ـ الوحي:
معنى الوحي:
الوحي: لغة: هو الإعلام بسرعة وخفاء. وشرعاً: إعلام من الله تعالى لأحد أنبيائه، إما بكتاب أو برسالة ملك، أو منام، أو إلهام. ويمكن تفصيل ذلك فيما يلي:
( ب ) الكلام من وراء حجاب: وهو أن يسمع الموحى إليه كلام الله من حيث لا يراه، كما سمع موسى عليه السلام النداء من وراء الشجرة، قال تعالى:
) قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ{29} فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [[44].
( ج ) الرؤيا الصادقة: فرؤيا الأنبياء حق، ليست من قبيل أضغاث الأحلام التي تعترى الناس، ولا من قبيل وساوس الشيطان، إذ لا سلطان للشيطان على قلوب الأنبياء. قال تعالى: في حق إبراهيم وولـده إسماعيل عليهما الســلام:
) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [[45].
وعن عائشة رضى الله عنها: ( أول ما بدئ رسول الله r بالرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح )[46].
( د ) إلقاء المعنى في القلب: وهو المعبر عنه بالنفث في الروع ففي الحديث الشريف:
( إن روح القدس نفث في روعى أنه لن تموت نفس حتى تستوفى رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب )[47].
وقد جمع القرآن الكريم هذه الطرق في قوله تعالى:
( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ([48].
سادساً ـ مهمة الرسل:
اقتضت حكمة الله تعالى أن يرسل رسلاً للناس لكي ينقذوهم من براثن الشرك، ويهدوهم سواء السبيل، وقد استمرت قافلة النبوات على مدار التاريخ، ليتم كل نبي ما بناه سلفه، حتى استكمل البناء بخاتم النبيين محمد r ويمكن تفصيل المهمات التي أوكلت إليهم فيما يلي:
1ـ تبليغ الرسالة:
من أولى مهمات الرسول أن يبلغ عن ربه ما كلفه إبلاغه للناس، وهو لا يملك في هذا المقام أن يغير أو يبدل من رسالة الله تعالى، ولا يستطيع أن يخفى منها شيئاً، ولو كان عتاباً لنفسه، فهو مقيد بوحي السماء الذي يحدد له الطريق، ويوضح له منهاج العمل مع قومه، يبلغهم أوامر ربهم ، ولا يجبر أحدهم منهم الدخول في دينه، فهمته البلاغ والبيان، قال تعالى:
) ما على الرسول إلا البلاغ [[49].
2ـ تعريف الناس بالله تعالى:
يقوم الأنباء في المقام بتعريف الناس بخالقهم فيوضحون لهم صفاته وكماله، وحقه على خلقة من العبادة والطاعة، ويستخدمون معهم الأساليب المقنعة ليذهبوا عن أنفسهم ظل الشرك، ويعودوا إلى عقيدة التوحيد، عقيدة الفطرة السلمية. ولعل في قصة إبراهيم عليه السلام مع قومنه شاهداً على أسلوب الإقناع الذي سلكه الأنبياء فقد ناقشه في عباداتهم وأقام الحجة على فسادها. قال تعال:
) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ{75} فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ{76} فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ{77} فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ{78} إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [[50].
وإلى جانب الأدلة العقلية التي استخدموها من هدم عقائد الشرك، فقد أيدهم الله تبارك وتعالى بمعجزات تدل على صدقهم واصطفاهم من الله تعالى:
3ـ التعريف بعالم الغيب:
إن عقل الإنسان لا يستطيع أن يفكر تفكيراً سليماً إلا في نطاق المحسوسات فإذا تجاوز هذا الحد، وأخذ يجول في عالم الغيب فقد ضل. لأنه عالم فوق العقل البشري، ولذلك كان من مهمة الرسل عليهم السلام أن يعرفوا الناس على بعض عوالم الغيب بالحدود التي يريدها الله تعالى لأنه العالم بدقائق هذا العالم الغيبي.
قال تعالى:
) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ[[51].
وهو يطلع رسله على بعض هذه العوالم الغيبية، قال تعالى:
) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً{26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً [[52].
ويقوم الرسل بإبلاغ الناس بهذا العالم الغيبي ليدركوا عظمة الله تعالى: وليبعدوا عن أنفسهم ظل الأفكار الفاسدة التي يحاول بعض الناس من سحرة أو كهنة. أو دجالين أن يبثوا أن يبثوا بين الناس مدعين أنهم يعلمون الغيب.
4: التعريف بالأحكام الشرعية:
يقوم الرسل عليهم السلام بتعرف الناس بالأحكام الشرعية التي ارتضاها الله لهم شريعة لينظموا حياتهم على أساسها، فينظموا علاقاتهم مع الله تعالى بأحكام العبادات، وعلاقاتهم مع أنفسهم بأحكام الأخلاق والمطعومات والمشروبات والملبوسات، وعلاقاتهم بعضهم ببعض بأحكام المعاملات والعقوبات. ولم تأت هذه الأحكام بصورة متكاملة على لسان رسول من الرسل، إلا على لسان محمد r لأن رسالته خاتمة الرسالات السماوية.
5ـ إيقاظ القلوب بالتبشير والإنذار:
يبني الرسل عقائد أتباعهم على أساس القناعات العقلية، والطمأنينة الوجدانية، فهم يسوقون لهم الأدلة العقلية. ويثيرون في نفوسهم الدوافع التي تربى وجدانهم،ولذلك فهم يربون أتباعهم على الأمور التالية:
( أ ) المخافة من الله تعالى، الذي سيحاسب كل إنسان على ما قدمت يداه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، قال تعالى:
) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ{7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ{8} ([53].
( ب ) الإيمان بالبعث والجنة والنار، وترغيب الناس في الجنة ونعيمها المقيم، والترهيب من النار التي وقودها الناس والحجارة لتتوق القلوب المؤمنة إلى لقاء الله تعالى في النعيم المقيم، وتحذر النفوس اللوامة من نار جهنم وعذابها.
( ج ) مراقبة الله تعالى: حيث أثار الرسل عليهم السلام في القلوب المؤمنة الشعور بمراقبة الله تعالى لعباده، فهو المطلع على السرائر وما تخفى الصدور، وقد ربى رسول الله r أصحابه على هذا الشعور القلبي الذي يحفظ صاحبه من المعاصي والآثام، وقد جاء في حديث رسول الله r عندما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان ـ وهو أعلى درجات الإيمان ـ فقال: [ أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ][54].
وقد تمثلت هذه المراقبة في سلوك الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، فهذا
" ماعز بن مالك " يعترف باقترافه جريمة الزنا، مع علمه بشدة العقوبة التي تنتظره، ويطلب من الرسول r أن يطهره من هذا الذنب الذي وقع فيه، يطلب أن توقع عليه عقوبة الموت التي تنهي حياته الدنيوية، ولكنه بهذا التطهير يكسب الحياة الأخرى والنعيم في جنة النعيم.
6ـ تقديم الأسوة الحسنة:
إن الله تبارك وتعالى يجعل من رسله نماذج بشرية فذة، تتمثل فيهم هداية الله تعالى. وتظهر في سلوكهم أخلاق النبوة، فتكون سيرهم أمثلة حية لما يدعون الناس إليه من الهدى والخير، فيقتدي من يؤمن الناس بهم في أقوالهم وأفعالهم.
قال تعالى:) أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ([55].
ولقد أثرت شخصيات الرسل في أتباعهم لاسيما في المسلمين من أتباع محمد r حيث فتحوا البلاد، ورعوا العباد، وأقاموا الأحكام، وحكموا بالعدل، فسعدت بهم الدنيا.
مما سبق أن الله تعالى اختار رسله من البشر، وكلفهم بمهمات جسام، لعمارة الأرض، وإصلاح العباد، ولقد قاموا بهذه المهمات خير قيام، فبلغوا الرسالة، وأدوا الأمانة، ونصحوا الأمة، فاستحقوا أن يكونوا خير الناس.
سابعاً: حاجة الناس إلى الرسل:
لقد خلق الله تعالى الإنسان، وأودع فيه غريزة التدين، فهو متدين بفطرته، يشعر في أعماق نفسه بحاجته إلى التدين، ويتلهف دوماً إلى معرفة القوة الكبرى التي يستند إليها في حياته، ومن هنا نرى لكل أمة من أمم الأرض عبادة آلهة، حتى الأمم التي تسيطر عليها أفكار الإلحاد، فإن التدين قد تحول عند الملحدين إلى الزعامة والفكرة. ولم يتخلصوا منه لأنه جزء من تكوين الإنسان.
ولم يوكل الله تعالى الناس إلى أنفسهم، فهو الخالق لهم ويعلم نقصهم وعجزهم ـ ويعلم تفاوت عقولهم، واختلاف مآربهم، وتعدد مصالحهم، فما يراه أحدهم خيراً يراه غيره شراً ولهذا فهم عاجزون عن إدراك الغاية من خلقهم، غير قادرين على معرفة الخير من الشر بعقولهم، تقصر قدراتهم عن وضع الأنظمة التي تعالج قضايا حياتهم دون تحيز للموطن والمصلحة والعشيرة، كذلك فهم عاجزون عن إدراك صلتهم بالله تعالى، لا يستطيعون الوقوف على ما يرضى الله تعالى حتى يفعلوه، وما يسخطه حتى يجتنبوه. ولا يعلمون كيف يعبدوه، وإنهم إن أقدموا على حل هذه الأمور معتمدين على عقولهم فقط، انقادوا إلى الضلال والهلاك.
إلى جانب ما سبق فإنا نلاحظ عجز الإنسان عن الإجابة عن الأسئلة التي تدور حول الوجود ومن وراءه، وعن الكون وما نهايته، وعن الإنسان وما سر حياته وموته، وعن عالم الغيب وما أسراره. كل هذه الأمور لا يستطيع الإنسان الإجابة الشافية عنها،فإذا ما سمح لعقله بالإجابة عنها. وقع في الخرافات والأصاليل، لأنه استعمل العقل في غير دائرته، حيث نقله من عالم المحسوسات الذي يستطيع التفكر فيه، إلى عالم الغيب الذي هو فوق قدرته.
من أجل سد هذا العجز في حياة الإنسان، وتعريفه بربه، والكشف عن أوامره ونواهيه، والوقوف على جانب من أسرارها هذا الوجود، ومعرفة طرف من عالم الغيب كانت مهمات الرسل، وكانت الحاجة ماسة إلى بعث الرسل للعباد، ليقوموا بهذه المهمات الجسام. قال تعالى:
) لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ([56]
مما سبق يتضح لنا أن الناس بحاجة إلى الرسل، إذ مهما بلغوا من العلم والمعرفة، فسيتبقى العقل البشري قاصراً ومحدوداً. لا يستطيع في كثير من الأمور أن يميز الصالح من الطالح، ولا الحسن من القبيح، فيتبقى الوحي الإلهي هو المصدر الوحيد لحل مشكلات العباد، ولهيئة الحياة السعيدة لهم، ويعرف ما عليه من واجبات فيقبل على القيام بها بنفس رضية، يدفعها إلى ذلك الحرص على الحصول على رضوان الله تعالى:
ثامنا ـ السبيل إلى معرفة الرسل:
يمكننا معرفة الرسل عليهم السلام عن طريق الأدلة التالية:
( أ ) المعجزات:
لقد أيد الله تعالى رسله بالمعجزات، وهي أمور خارقة لا يستطيع الناس أن يأتوا بمثلها مهما بلغوا من العقل والحكمة، فهي فوق مقدور البشر، وخارجة عن نطاق طاقتهم. ومن أمثلة معجزات الأنبياء: ناقة صالح عليه السلام، وعصا موسى عليه السلام التي تحولت إلى ثعبان أكلت حبال السحرة، وإحياء الموتى وإشفاء المرضى على يد عيسى عليه السلام، والقرآن الكريم المعجزة الخالدة التي انزلها الله تعالى على سيدنا محمد r.
( ب ) التبشير بهم:
فقد بشرت الكتب السماوية برسالة محمد r وهذا ما حكاه القرآن الكريم. قال تعالى:
) وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ[[57]
وقال تعالى: ) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ[[58]
( ج ) صفاتهم:
إن حياة الرسول نفسه، وسلوكه في الحياة، وخلقه القويم، وسيرته الحسنة في قومه، وثباته على دعوته برغم كل صنوف الصد والمغريات، وتفانيه في هدايته قومه، كل ذلك دليل على صدق نبوته، فهو لا يسأل الناس أجراً، ولا يطالبهم بشيء من حطام الدنيا، بل يقوم بالتبليغ عن ربه ولو كان فيه إعنات لنفسه.
مما سبق يتضح أن معجزات الأنبياء والتبشير يهم، وصفــاتهم التي تحلـوا بها، تدل على صدق نبوتهم.
المناقشة:
1-عرف الرسول، ولماذا اختاره الله تعالى من جنس الرجال؟
2-اقتضت حكمة الله تعالى أن يمنح رسله ميزات خاصة عن البشر. اذكرها.
3-قال تعالى (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) وضح هذه الآية الكريمة في ضوء ما فهمته من أن الله تعالى يختار رسله بنفسه.
4-لماذا كانت صفتا الصدق والأمانة ثابتتين لرسل الله جميعاً ؟ وما أثر ذلك على الدعوة؟
5-عرف الوحي لغة وشرعاً.
6-ما طرق التلقي ؟ وضحها مستشهداً بدليل شرعي لذلك.
7-ما العصمة ؟ وما الدليل الشرعي عليها ؟ وهل تعتبر دليلاً على صدق النبي؟ وضح ذلك.
8-قارن بين نظرة المسلم ونظرة النصراني لعصمة الأنبياء.
9-هل من واجب الرسل إجبار الناس على الإيمان؟ استشهد لما تقول. بآية من القرآن الكريم.
10- ما الفرق بين عالم الغيب والشهادة.
11- كيف يكون سلوك الإنسان آمن بأن الله يراقبه؟
12- يقول علماء الأديان: " لم توجد قط جماعات بدون ديانة ". اشرح هذه العبارة ووضح علاقتها بروح التدين عند البشر.
13- أكمل الجمل التالية بوضع الكلمات المناسبة في الفراغات فيما يلي:
( أ ) العصمة: تنزيه رســــــل الله عن تــــرك...............................
أو فعـــل...... أو اقتراف مــا..............
( ب ) لما ثبت إبراهيم على دعوته وضعه.................... في......................
فاتجاه........... و قال يا......... كوني برداً و........... على................
( ج ) الرسل بشر يأكلون كما.................. الناس. ويمشون في................. ويتزوجون..................... ويتعرضون للصحة................. و.................. والضعف، والحياة و.....................
( د ) من طرق الوحي.............. و....................... و........................
14ـ أجب عما يلي:
( أ ) من مهمات الرسل:
1ـ
2ـ
3ـ
4ـ
( ب ) ركز الرسل وهم يربون أتباعهم على:
1ـ
2ـ
3ـ
( ج ) الأدلة على معرفة الرسل هي:
1ـ
2ـ
3ـ
15ـ ضع إشارة ( Ö ) أمام العبارة الصحيحة وإشارة ( × ) أمام العبارة الخاطئة فيما يلي:
1ـ الرسل كبقية البشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق. ( )
2ـ بعث الله امرأة رسوله إلى قوم معينين. ( )
3ـ يمكن أن يترك الرسول صدق القول في الأمور البسيطة. ( )
4ـ الناس في حاجة إلى الرسل ليبينوا لهم الخير والشر. ( )
5ـ الرسل يعلمون الغيب الذي يعلمه الله تعالى. ( )
6ـ الرسول لا يزيد على الوحي الإلهي شيئاً مهما كان بسيطاً. ( )
7ـ عصى آدم ربه بإرادة وسابق إصرار. ( )
8ـ العقل البشري الواعي يستطيع الاستغناء عن الرسل. ( )
16ـ اختر الإجابة الصحيحة وضع رمزها إشارة (Ö ) فيما يلي:
1ـ الرسل يملكون:
( أ ) النفع والضر للناس أجمعين.
( ب ) النفع والضرر لبعض الناس.
( ج ) النفع والضرر لأنفسهم فقط.
( د ) تبليغ رسالات ربهم.
2ـ اختار الله تعالى رسله من:
( أ ) الرجال دون النساء. ( ب ) النساء دون الرجال.
( ج ) النساء والرجال. ( د ) العائلات الغنية.
( 3 ) الذي شهد بصدق الرسول r قبل بعثته أمام هرقل هو:
( أ ) معاوية بن أبي سفيان. ( ب ) أبوسفيان بن حرب.
( ج ) يزيد بن أبي سفيان. ( د ) عمرو بن العاص.
4ـ يتصف الرسول عليه السلام ب:
( أ ) الصدق والأمانة. ( ب ) الفطنة والأمانة.
( ج ) الثبات على الحق وكرم النفس.
5ـ الرسل معصومون عن:
( أ ) ترك الواجب. أو فعل الحرام. ( ب ) الخطأ في كل شيء.
( ج ) النسيان في كل شيء. ( د ) ترك المباحات.
6ـ نزل القرآن الكريم عن طريق:
( أ ) الإلهام من الله تعالى: ( ب) المنام الذي يعترى الأنبياء.
( ج ) الرؤيا الصادقة. ( د ) الوحي جبريل عليه السلام.
الفصل الثاني
المعجزة: معناها ـ أمثلة منها ـ وجه دلالتها على صدق الرسول ـ لكل أمة رسول ـ عدد الرسل ـ الرسل الوارد ذكرهم في القرآن الكريم، الرسالات يصدق بعضها بعضاً.
رسالة محمد r عموميتها ـ خلودها، ختمها للرسالات ـ الأدلة على نبوة محمد r.
القرآن الكريم:
نظمه وبلاغته ـ إخباره بالغيب ـ تشريعاته المحكمة.
الركن الرابع من أركان الإيمان.
الإيمان بالكتب السماوية:
التعريف بالصحف والكتب السماوية ـ صحف إبراهيم ـ التوراة ـ الزبور ـ الإنجيل ـ القرآن الكريم ـ ميزات القرآن الكريم على غيره من الكتب.
المعجزة:
قد يأتي أحد من الناس ويدعى أن الله قد اختاره واجتباه، وأرسله رسولاً للناس، فماذا تكون النظرة إليه هل يقبل قوله ويسمح كلامه؟
إن المدعى للنبوة لا يقبل كلامه في أول الأمر مهما كان حسن السيرة، حميد الخصال كريم الخلق، حتى يقدم للناس دليلاً يثبت به حقا أنه رسول وهذا الدليل لابد أن يكون صادراً من عند الله تعالى، وخارقاً للعادة، ويعجز البشر الموجودون عن معارضته، وهذا الدليل يسمى بالمعجزة، إذن.
المعجزة: " هي أمر خارق للعادة يظهره الله على يد مدعي النبوة عند التحدي تصديقاً له في دعواه ".
أمثلة من المعجزات:
المعجزات التي أجراها الله سبحانه وتعالى على يد رسله وأنبيائه كثيرة وعاها التاريخ وسجل القرآن الكريم الكثير من منها، ومما سهله:
" ناقة صالح " و " انفلاق البحر لموسى عليه السلام " و " نزول المائدة على عيسى " و " عدم إحراق النار لإبراهيم " و " انشقاق القمر لمحمد " عليه وعليهم جميعاً الصلاة والسلام ".
وقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن كان الكثير من المعجزات التي أيد الله بها رسله وأنبياءه من نوع ما برع فيه القوم الذين أرسل إليهم، حتى يكون الإعجاز بها أبلغ، والوضوح لها أكمل وأتم.
ومن أمثلة ذلك:
معجزة موسى عليه السلام:
عندما أرسل الله موسى كان فن السحر شائعاً في قوم فرعون، ولهم فيه مهارة وعندهم به علم ومعرفة.
فلما ألقى السحرة سحرهم، وتحولت الحبال والعصى إلى حيات تسعى أمام الملأ، متحدية بذلك موسى ومن معه، ألقى موسى عصاه بأمر من ربه فانقلبت إلى ثعبان كبير ابتلع كل ما صنعوا من السحر، ثم عادت عصاً كما كانت في يد موسى عليه السلام.
ولما كان السحرة يعرفون الصدق من الكذب، والحقيقة من السحر أيقنوا أن عصى موسى ليست من جنس ما يعملون، وأن ما حصل على يد موسى ليس سحراً، و إنما هو آية ومعجزة من الله رب العالمين، ولذلك قالوا آمنا برب موسى وهارون، ويصور لنا القرآن الكريم هذا الموقف فيقول تعالى:
) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى{65} قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى{66} فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى{67} قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى{68} وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى{69} فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى{70} [[59]
معجزة عيسى عليه السلام:
لما بعث الله عيسى بن مريم كان في الطب شائعاً في بني إسرائيل، واقتضت حكمة الله تعالى أن معجزته من هذا القبيل، فكان يبرئ الأكمه والأبرص[60] ويحي الموتى بإذن الله. وكان هذا معجزة من عند الله أيد بها عيسى عليه السلام. قال تعالى:
) ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرى الأكمة والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله [[61]
معجزات محمدr:
أما معجزات محمد عليه السلام فمنها الحسي الذي رآه قومه، ويسير على نفس النمط الذي سار عليه من سبقه من الأنبياء.
ومنها المعنوي ـ وهو القرآن الكريم ـ الذي تحدى به قومه من يوم نزوله إلى أن أتم وكمل ـ ولا يزال يتحدى حتى يقوم الناس لرب العالمين.
ومن المعجزات الحسية:
نبع الماء من بين أصابعه:
عن جابر رضي الله عنه قال: [ عطش الناس يوم الحديبية فأتوا رسول الله r وبين يديه ركوة، وقالوا ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا نشرب إلا ما في ركوتك، فوضع رسول الله r يده في الركوة[62]، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فتوضأنا وشربنا، وقيل لجابر كم كنتم يومئذ؟ قال لو كنا ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة ] [63].
حنين الجذع له:
عن أنس رضى الله عنه قال: [ خطب رسول الله r إلى لزق جذع، فلما صنعوا له المنبر فخطب عليه الجذع حنين الناقة إلى النبي r فمسه فسكن ][64].
وجه دلالة المعجزة على صدق الرسول:
المعجزة تدل دلالة واضحة، وتنطق بصوت قوى على أن من ظهرت على يديه لا يمثل نفسه، وإنما يمثل الخالق العظيم، والقادر المبدع، الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، والذي يقول للشيء كن فيكون.
فكأن الذي ظهرت على يديه المعجزة يقول: أنا رسول من عند الله أبلغكم ما أرسلت به والمعجزة دليلي وبرهاني.
وكأن الحق سبحانه وتعالى حين أجراها على يديه يقول:
صدق عبدي فيما يبلغ عني.
ومن هنا كانت المعجزة دليلاً على صدق من جاءت على يديه.
الفرق بين المعجزة وغيرها من خوارق العادة:
المعجزة: أمر خارق للعادة يظهر الله على يد مدعى النبوة.
الارهاص: أمر خارق للعادة يظهره الله على يد نبي قبل بعثته كتظليل الغمام لمحمد e
الكرامة: أمر خارق للعادة يظهره الله على يد عبد صالح غير مدع للنبوة.
المعونة: أمر خارق للعادة يظهره الله على يد بعض العوام تخليصاً من شدة.
الإهانة: أمر خارق للعادة يظهر على يد كاذب مدع للنبوة على عكس مطلوبة.
الاستدراج: أمر خارق للعادة يظهر على يد فاسق مدع للإلوهية كالمسيح الدجال.
السحر: قواعد يقتدر بها على أعمال غريبة بالنظر لمن جهل قواعده ويمكن اكتسابه بالتعلم.
الشعوذة: خفة في استعمال اليدين بواسطتها يرى الناظر أشياء على أنها حقيقية، وهي ليست كذل في الواقع كما يفعل الحواة.
لكل أمة رسول:
من رحمة الله بعباده أنه أرسل إليهم رسلاً مبشرين ومنذرين، ومن زيادة الرحمة أنه جعل لكل أمة رسولاً، يهديها إليه سبحانه، ويقر بها منه ويربطها به، ويرشدها إلى الطريق المستقيم.
قال تعالى:
) وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ [ [65].
وقال:
) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً [[66].
وقال:
) وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ [[67].
ولقد كانت الفكرة السائدة في بني إسرائيل أن النبوة محصورة فيهم وأن الله لا يرسل رسلاً إلا منهم، فجاء هذا تفويضاً لهذه الفكرة، وتكذيباً لادعائهم بأنهم شعب الله المختار.
عدد الرسل:
لقد وردت آراء كثيرة في عدد الرسل والأنبياء الذي أرسلهم الله، وهي آراء لم تستند إلى دليل يقيني يمكن الجزم به والاعتماد عليه، فوجب عليناً أن نؤمن بكل نبي أرسله الله، وفي عددهم نقف عند العدد الذي ذكره الله في القرآن وقصه علينا في آياته البينات. وهو خمسة وعشرون نبياً ورسولاً.
قال تعالى:
) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ [[68].
وقال:
َرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [[69].
والذين قصهم الله على رسله هم:
آدم ـ نوح ـ هود ـ صالح ـ إبراهيم ـ لوط ـ إسماعيل ـ إسحاق ـ يعقوب ـ يوسف ـ شعيب ـ موسى ـ هارون ـ إدريس ـ داود ـ سليمان ـ أيوب ـ يونس ـ اليسع ـ ذو الكفل ـ إلياس ـ يحي ـ عيسى ـ محمد r وقد ذكر هؤلاء في عدة آيات منهم ثمانية عشر نبياَ ذكروا في قوله تعالى:
) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ{83} وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{84} وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ{85} وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ [[70].
والسبعة الباقون ذكروا في آيات أخرى يمكن الرجوع إليها في سور:
آل عمران ـ الأعراف ـ هود الأنبياء ـ الأحزاب.
الرسالات يصدق بعضها بعضاً:
ما أرسل الله رسولا إلا جاء مصدقاً لما بين يديه من الرسل والكتب، ومبشراً أحياناً بمن يأتي بعده من الرسل، وذلك لأن المرسل واحد وهو الله رب العالمين، والمرسلون هم سفراؤه إلى خلقه، ودعوتهم كلها واحدة، وهدفهم واحد، وهو الإيمان بالله واليوم الآخر، والبعد عن الشرك والإلحاد، وسوء العمل، إنهم يجمعون الناس على الحق مهما اختلفت أقوالهم وتباعدت أزمانهم.
قال تعالى:
) كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ [[71].
وقال تعالى:
) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [[72].
ومن هنا كان الإيمان بهم جميعاً وكناً من أركان العقيدة الإسلامية.
قال تعالى:
) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [[73]
القرآن الكريم:
لقد أمد الله نبينا محمداً r بمعجزات كثيرة ذكرنا بعضاً منها، ولكن المعجزة التي اعتمد عليها في إثبات رسالته، هي القرآن الكريم، الذي تحداهم به قرابة ثلاثة وعشرين عاماً لا زال يتحدى ويتحدى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
لقد تحداهم أن يأتوا بمثله فعجزوا. قال تعالى:
) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ [[74].
وتحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا: قال تعالى:
) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [[75].
وتحداهم أن يأتوا بمثل أقصر سورة منه فعجزوا: قال تعالى:
) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [[76]
وعجز العرب آنذاك أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو قصر سورة من، وفيهم أمراء الفصاحة والبلاغة، والعاملون بأسرارها ومراتبها، دليل على أن القرآن الكريم ليس مختلقاً من محمد r، وإنما هو من عند الله رب العالمين.
قال تعالى:
) قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [[77].
وقال:
) قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [[78].
من أوجه إعجاز القرآن الكريم:
1ـ نظمه وأسلوبه:
إن ذلك النظم العجيب، وذلك الأسلوب الذي يأسر الأرواح والقلوب لم يوجد له نظير من قبل ولا من بعد، ولا استطاع أحد مماثلة شيء منه، إنه نوع متميز كل التميز يحسن بحلاوته وجماله كل من قرأه أو استمع إليه.
يروى أن عتبة بن ربيعة لما سمع القرآن الكريم قال: والله لقد سمعت قولا، والله ما سمعت مثله قط، ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة ".
وقال الجاحظ فيما قال عن القرآن الكريم:
" ألفاظ إذا اشتدت فأمواج البحار الزاخرة، وإذا هي لانت فأنفاس الحياة الآخرة، معان ترويك من ماء البيان، ورقة تسترح منها نسيم الجنان........ "
2ـ بلاغته:
للقرآن بلاغته وفصاحته التي أعجزت أرباب البلاغة والفصاحة.
ومن بلاغته، مراعاته لمقتضى الحال، فخطابة للمؤمنين يختلف عن خطابة للجاحدين، وأسلوبه في التشريع والأحكام غير أسلوبه في القصص والإرشاد، وإن كان ذلك كله تبهر بلاغته العقول، فهو تنزيل من حكيم حميد، أحكمت آياته وفصلت كلماته.
لقد سمع الوليد بن المغيرة قول الله تعالى:
) إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [[79].
فقال:
" والله إن لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه، لمثمر، وما يقول هذا بشر ".
وسمع أعرابي رجلاً يقرأ:
) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ [[80]
فسجد وقال سجدت لفصاحته.
3ـ إخباره بالغيب:
لقد أخبر القرآن الكريم عن أمور سبقت كقصص الأولين، وأنباء المرسلين، كما أجاب عن تحديات أهل الكتاب حين سألوه عن قصة أهل الكهف، وشأن موسى والعبد الصالح، ولم يكن عند النبي r ولا عند قومه علم بشيء من هذا.
قال تعالى:
) تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا [[81].
كما أخبر عن أمور حاضرة، وأفكار كانت مخفية ومستورة في نفوس أصحابها، كفضحه للمنافقين، وكشفه عما يخفونه من حقد دفين.
قال تعالى:
) إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [[82].
وقوله:
) وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ [[83].
أما إخباره عن الأمور المستقبلة فقد كان مذهلاً، حيث إنها أمور لا يمكن الاطلاع عليها ومعرفتها إلا بالوحي، ولقد تحققت كلها ولم يتخلف منها أمر. ومن ذلك قوله تعالى:
) الم{1} غُلِبَتِ الرُّومُ{2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ{3} فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ [[84]
) تَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ [[85].
) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [[86].
وقوله:
) َاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [[87].
ولقد تحققت كل هذه الغيوب المستقبلة، ولم يتخلف منها شيء، والعدو والصديق شاهد بذلك.
ولعل من أروع ما تحقق قوله تعالى:
) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [[88]
فهذا هو القرآن الكريم بين أيدينا محفوظ في الصدور، ومسجل في السطور لم يضع منه شيء، ولم تتغير فيه كلمة، أو يتبدل منه حرف، أو تنسى منه آية، وسوف يستمر إلى أن يقوم الناس لرب العالمين.
4ـ تشريعه المحكم:
ولقد اشتمل القرآن الكريم على تشريعات عادلة، وقوانين رادعة، تحفظ على المسلم دينه ونفسه، وعقله، ونسله، وماله.
فشرع الحدود والقصاص، حماية للدماء والأعراض والأخلاق والأموال.
وأحل للإنسان البيع وحرم الربا، وأباح له الطيبات، ونهاه عن الخبائث، وأشبع غرائزه بما يفيد، ولبى حاجته كلها عن طريق الارتقاء بها، وتحويلها إلى الأنفع والأحسن والأكمل...
لقد أباح له كل ما تدعوا الفطرة السليمة، والعاطفة النظيفة النبيلة وجعل له في الحلال عوضاً وبديلاً عن كل ما نهاه عنه من الحرام.
قال تعالى:
) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ{32} قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{33} [[89].
وقال تعالى:
) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [[90]
وقال:
) َيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ [[91].
وقال ) َأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [[92].
المناقشة:
1ـ عرف المعجزة، وعلى يد من تظهر؟ ومثل بمثالين مع الاستشهاد من القرآن الكريم.
2ـ ما الفرق بين المعجزة وغيرها من الخوارق؟ مثل لما تقول.
3ـ كم عدد الرسل الذين ذكرهم الله في القرآن الكريم؟ مع الاستشهاد بآيات منه لما تقول.
4ـ " تصدق الرسالات بعضها بعضاً " دلل على ذلك من القرآن الكريم.
5ـ القرآن الكريم معجزة الرسول الخالدة تحدى به العرب جميعاً فلم يستطيعوا أن يأتوا بمثله أو بأقل منه؟ وما دليلك على ذلك من القرآن؟
6ـ تناول القرآن الكريم الشريعة وأخبر عن أشياء كثيرة من الماضي، اذكر بعض الأدلة من القرآن الكريم تبرهن فيها على أنه الكتاب الجامع المانع الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
الركن الرابع من أركان الإيمان:
الإيمان بالكتب السماوية:
لقد كرم الله الإنسان، ومن تكريمه له، أنه لم يتركه هملا في الحياة يتخبط في ظلامها من غير دليل يرشده، أو هاد يبين له الطريق.
وإنما أرسل له رسلا يدعونه إلى الحق، ويرشدونه إلى الصواب، وزود الكثير منهم بكتب تحمل بين سطورها شريعته، وتضم بين صفحاتها وصاياه.
ونستطيع أن نقول إن الكتب السماوية هي الوثائق الإلهية، والوصايا الربانية التي أنزلها الله على رسله، ووضع فيها أصول الهداية، ودليل السلوك وأسباب سعادة الدنيا والآخرة.
قال تعالى:
) كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ [[93].
عدد الكتب:
لقد أوحى الله إلى أنبيائه بتعاليم ووصايا، وأنزل عليهم كتباً، منها ما دون وسجل، ومنها ما لا علم لنا به ولا معرفة.
ولقد قص علينا القرآن الكريم بعضاً من هذه الكتب، وعرفنا بأسمائها.
الكتب المدونة:
التوراة: وقد أنزلت على سيدنا موسى عليه السلام.
قال تعالى: ) إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُور [[94]
الإنجيل: وقد أنزل على سيدنا عيسى عليه السلام.
قال تعالى: ) وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ [[95].
الزبور: وقد أنزل على سيدنا داود عليه السلام.
قال تعالى:
) وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً [[96]
صحف إبراهيم و موسى:
قال تعالى:
) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى{18} صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى{19} [[97].
القرآن الكريم:
وقد أنزل على سيدنا محمد r وهو آخر الكتب السماوية.
قال تعالى مخاطباً لسيدنا محمد عليه السلام:
) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً [[98]
تعريف بهذه الكتب:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما كنت صحف إبراهيم؟
قال كانت أمثالا كلها. مثل:
أيها الملك المسلط المبتلى المغرور، إن لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكن بعثتك لترد على دعوة المظلوم، فإني لا أراها ولو كانت من كافر....
على العاقل ما لم يكن مغلوباً على علقه أن يكون له ساعات:
ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها في صنع الله عز وجل، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب قلت يا رسول الله فما كنت صحف موسى عليه السلام ؟
قال كانت عبراً كلها مثل:
عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح.
عجيب لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك.
عجيب لمن بالقدر ثم هو ينصب.
عجيب لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها.
عجيب لمن أيقن بالحساب غداً ثم لا يعمل.
التوراة:
التوراة معناها الشريعة، وهي الكتاب الذي أنزل على موسى عليه السلام وهي لم تكن كتاباً محفوظاً في الصدور ولا محفوظاً من الله رب العالمين مثل القرآن الكريم.
ويذكر التاريخ أن موسى عليه السلام كتب نسخة من التوراة، ووضعها في التابوت مع لوحين من الألواح، ولما فتح التابوت بعد وضعه في الهيكل في عهد سليمان لم يعثر إلا على اللوحين فقط.
ولقد كانت الأحداث التي مرت ببني إسرائيل من القتل والتشريد، وما تعرض له بيت المقدس من تدمير ونهب، وبناء مذبح للأصنام فيه، كان ذلك سبباً في ضياع التوراة حتى لم يبق لها أثر في الوجود، ولا في حياة أصحابها من اليهود.
وبعد فترة من الزمن وجد أحد الكهنة الفرصة سانحة، فادعى أنه عثر على نسخة من التوراة، وكتبها بخط يده، وقدمها إلى الملك يهوذا آنذاك، مدعياً أنها التوراة الأصلية.
والحقيقة التي لا شك فيها هي أن اليهود أنفسهم هم الذين أعدموا التوراة لأن أخلاقهم وطبائعهم كانت تخالف ما فيها من تعاليم وشرائع، وكتبوا غيرها بأيديهم، وأودعوها من الأهداف والأساليب ما يتناسب مع انحراف سلوكهم وضلال عقيدتهم.
ولعل من أوضح ما يدل على ذلك ما يأتي:
أولا: أنها تصف الله بأوصاف لا تليق بجلاله حيث جعلته كإنسان يتعب ويستريح فقالت: " إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام واستراح في اليوم السابع "[99]
ثانيا: أنها متناقضة ـ حيث تقول عن موسى، وهي التي أنزلت عليه:
" فمات موسى عبدالرب في أرض مؤاب، ودفن بها، وكان ابن مائة وعشرين سنة، ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى "[100].
فإذا كانت هذه التوراة تخبرنا عن موت موسى ودفنه، فعلى من أنزلت ومن أنزلها؟
ثالثا: أنها مفسدة حيث تدعوا إلى الكذب والفجور والخيانة وترفع العصمة عن الأنبياء حيث نسيت ما يأتي: " قال موسى لبني إسرائيل عند نزوحهم من مصر لا تمضوا فارغين، بل تطلب كل امرأة من جارتها، ومن نزيلة أمتعة، وتضعونها على بنيكم وبناتكم فتسلبون المصريين "[101] وبهذا يزعمون أن موسى يعلمهم الخيانة، ومحال أن يكون هذا.
رابعا: أنها مزودة للأحكام فتقول: " للأجنبي تقرض برباً، ولكن لأخيك لا تقرض برباً "[102].
فيحلون عن معرفة وعمد ما حرم الله.
قال تعالى:
) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ [[103].
وقال:
) أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{75} [[104].
الزبور:
هو الكتاب الذي آتاه الله داود عليه السلام كما أخبرنا القرآن الكريم بذلك في قوله:
) وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً[[105]
ومبلغ العلم أن هذا الكتاب فقد كما فقدت التوراة الأصلية، وغيرها من كتب الأنبياء الذين سبقوا نبينا محمداً r.
والكتاب المنسوب إلى داود عليه السلام بالمزامير، وهذه المزامير كالتوراة الحالية سواء بسواء في اشتمالها على سوء الأدب مع الله والتطاول على جلال الخالق، والحقد على جميع الخلائق [106]، من غير بني إسرائيل.
قال تعالى:
) مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ( [107].
الإنجيل:
الإنجيل كلمة واحدة ـ ولكنها تطلق على أناجيل أربعة منسوبة لأصحابها الذين كتبوها، وهي المعترف بها الآن عند المسيحيين، هي إنجيل " متى "، إنجيل " مرقص " إنجيل " لوقا " إنجيل " يوحنا ".
وهذه كلها ليست الإنجيل الذي نزل على عيسى، وإنما هي كما يقول لوقا، أحد أصحاب هذه الأناجيل: إن يكتب قصة عن حياة المسيح كما اعتاد الذين سبقوه أن يؤلفوا قصة في مثل هذه الأمور ".
ومن الثابت أن هذه الأناجيل الأربعة اختيرت من عشرات الأناجيل التي كتبت ونسبت إلى الإنجيل الحقيقي.
أما الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى فقد اختفى ولم يبق له أثر، بسبب الاضطهادات التي تعرض لها المسيحيون، وبسبب ما يحمله من بشرى بمجيء محمد r واعتراف به.
وحتى هذه الأناجيل الأربعة بينها تناقض كبير واختلاف كثير وفيها من العقائد مالا يقبله العقل.
ففيها نسبة الولد إلى الله سبحانه وتعالى، وفيها إثبات الصلب لعيسى عليه السلام، وفيها تحميل أدم عليه السلام أخطاء البشرية كلها لأنه أكل من الشجرة.
وهذا كله باطل ومردود بنص القرآن الكريم، وبالمحكم من آياته البينات.
إذن هذه الأناجيل الموجودة ليست على صلة بالإنجيل الحقيقي الذي يعنيه قول الله تعالى:
) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ َ([108].
وليس أحد هذه الأناجيل هو الذي جاء القرآن مصدقاً له، وإنما يصدق القرآن الإنجيل الذي أوحاه الله إلى عيسى عليه السلام متضمناً الهدى والنور، ومبشراً بمحمد r.
قال تعالى:
) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ([109]
المناقشة:
1- اذكر أربعة من الكتب السماوية؟ وعلى من أنزلت واذكر الدليل من القرآن الكريم على ذلك.
2- اذكر ما تعرفه عن كتب الأنبياء واشرح كل كتاب مع الدليل على كل تعريف.
3- اذكر ما تعرفه عن التوراة التي حرفها اليهود وهل هي من عند الله كما يدعى اليهود؟
4- ما مزامير داود ؟ وهل هي موجودة الآن؟
5- كم عدد الأناجيل التي وضعها النصارى؟ وهل هي الإنجيل المنزل من عند الله ؟ دلل على ما تقول.
القرآن الكريم
القرآن الكريم هو آخر الكتب السماوية نزولا، وهو الكتاب الخالد الذي أنزله الله على رسوله محمد r، ليكون مشعل النور والضياء لكل مسلم في أرجاء الأرض، يستمد منه عقيدته ويستلهم تشريعه، ويستوحى منه ملامح الطريق الذي يجب أن يسير عليه.
وقد تمكن القرآن الكريم بما اشتمل عليه من تعاليم وأحكام، أن يوقظ النفوس البشرية من رقادها، وأن يحولها إلى طاقة هائلة اهتزت لها الدنيا في يوم من الأيام، وعاشت في ظلالها الوارفة آمنة مطمئنة.
والقرآن اليوم هو الأمل الحي الذي يمكن أن تلتقي عليه شعوبنا في مختلف أقطارها بقرب ما تباعد من لغاتهم ولهجاتهم، ويقوم ما انحرف من سلوكهم وعاداتهم ويوحد ما تمزق من شملهم وتشتت من اتجاهاتهم، ويعيدهم قوة أمنة ترهب الأعداء، وتنشر النور والضياء، ويسعد في ظلها الناس أجمعون.
قال تعالى:
) وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ{192} نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ{193} عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ{194} بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ{195} [[110].
وقال:
) إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً [[111].
كيف نزل:
نزل القرآن منجماً على مدى ثلاثة وعشرين عاماً، ثلاثة عشر عاماً في مكة وعشرة في المدينة، وكان أول نزوله في غار حراء، وأول ما نزل منه.
) اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ..............[
وآخر ما نزل على الاختلاف في ذلك:
) وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ{281} [[112]
وكان ينزل على حسب الحوادث المتجددة، فأحياناً كانت تنزل بضع آيات، وأحياناً آية واحدة، أو بعض آية، وذلك ليكون في تنزيله المستمر تلبية للأحداث المتجددة للمشاكل التي قد تخلقها ظروف المجتمع الجديد، وليكون أثبت للفؤاد وأسهل للحفظ.
كيف جمع ودون:
تم جمع القرآن بحفظه في الصدور لقوله تعالى:
) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ{17} [[113]
وتم ذلك الحفظ في عصر النبي r يحفظ ويحفظ أصحابه الذين كان النبي r يحفظ ويحفظ أصحابه الذين كانوا يتدارسونه في المسجد ويحفظونه واشتهر منهم الكثير مثل: " أبي بن كعب وعلى بن أبي طالب، وزيد بن ثابت ".
وأما كتابته فقد كان كتبة يكتبونه، فحين كانت تنزل الآية أو السورة وكان بقية الصحابة بدورهم يسارعون إلى حفظ ما نزل والعمل به، والسير على ما فيه من شرائع وأحكام.
من مميزات القرآن على غيره من الكتب:
للقرآن الكريم مميزات كثيرة يتميز بها عن غيره من الكتب السابقة ذكرنا بعضها ونضيف إليها ما يلي:
1ـ حفظ الله له:
كل الكتب السماوية التي سبقت القرآن الكريم، وكل الله حفظها لأصحابها لأنها لم تكن الكلمة الأخيرة من كلمات الوحي.
أما القرآن الكريم فقد كان كلمة الله الأخيرة، وكان آخر صلة للسماء بالأرض وكان النبي الذي حمله للناس هو آخر الأنبياء.
لذلك أنزله الله ليكون دستوراً يسير عليه البشر، وهدياً يهديهم ويرشدهم إلى الحق والصواب، وبين لهم كل ما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم.
قال تعالى:
) وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ{89}[[114].
ومن هنا تكفل الله بحفظه وحمايته من التحريف والتغيير والتبديل وكان هو الكتاب الوحيد المميز مما يأتي:
( أ ) اعتراف العلماء من غير المسلمين بأن القرآن الموجود هو عين النص المنزل على سيدنا محمد r.
( ب ) أنه الكتاب المحفوظ في الصدور والسطور، والنسخة منه في الشرق لا تختلف عن النسخة في الغرب.
( ج ) لم يكن حفظه حكراً على اللسان العربي وحده بل سخر الله له من يحفظه من العجم، ويتلوه من غير لحن أو خطأ برغم اختلاف اللسان، وتباعد البيان.
( د ) يكاد يكون هو الكتاب الوحيد التي تفننت دور النشر في إخراجه، وأبدع الخطاطون في كتابته، وتجويد حفظه، وترقيم آياته، واحتسبوا ذلك كله عملاً صالحاً يتقربون به إلى ربهم.
2ـ اتصال سنده، وتواتر نقله:
اتصل سند القرآن الكريم بالنبي r، وتواتر نقله عنه، وحين اختار الله نبيه لجواره الكريم الحفاظ والقراء يعدون بالآلاف.
ولا تزال الأمة الإسلامية في الشرق والغرب تتناقل هذا الكتاب الكريم حفظاً وترتيلاً وتسجيلاً، أمة بعد أمة، وجيلاً بعد جيل عن طريق التواتر الذي لا يتطرق إليه شك أو تحوم حوله ريبة، والذي يؤكد قول الله تعالى:
) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ{9} [[115].
3ـ وحدة المصحف في كل مكان:
لو أن مسلماً قام بزيارة لكل بلاد الدنيا ن واطلع على ما فيها من مصاحف لما وجد اختلافاً في مصحف عن مصحف، بل كل النسخ واحدة، فالمصحف الموجود في المدينة المنورة أو مكة المكرمة، هو نفسه الموجود في أمريكا أو الهند أو الصين.
وهذا بخلاف ما سبق من الكتب فلا ينطبق واحد منها على صاحبه، وكل واحد يدعى أنه الصحيح وغيره الباطل، وصدق الله في وصفه للقرآن حيث قال:
) وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ{41} لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ{42} [[116]
4ـ هيمنته:
حقائق القرآن كلها لا شك فيها، وبذلك كان المهيمن والمصدق لما سبقه من الكتب، فإذا حصل اختلاف في أحكامها، أو اضطراب في قضاياها، كان ما يقوله القرآن هو الحق، وما ينطق به هو الصدق، قال تعالى:
) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ [[117].
5ـ تنجيمه:
ومن الميزات التي انفرد بها القرآن الكريم نزوله منجماً، على حسب الحوادث المتجددة والأسئلة الناشئة، المتطلبة لبيان حكم من الأحكام، أو ذكر قصة أو خبر من أخبار السابقين.
كما حدث في السؤال عن ذي القرنين، والسؤال عن الأنفال، وكما أجاب الله عن حكم الظهار في سورة المجادلة بقوله تعالى:
) قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا {1} [[118].
وكان في تنجيمه تسليه للنبي r، و ربط له الأعلى وتخفيف لما يلاقيه من عنت المتعنتين وكفر الكافرين، وتكذيب المكذبين.
كما كان فيه عون ومساعدة على حفظ الآيات واستذكارها، وتلقينها للصحابة الذين كانوا يعكفون على حفظها، ويعلمون بمقتضاها.
وقال تعالى:
) وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً{106} [[119]
مما سبق لنا أن القرآن الكريم هو كتاب الله الخالد الباقي الذي لم يلحقه تبديل أو تغيير، والذي لم يأته الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي وضع للناس دستوراً شاملاً ينظم لهم حياتهم الدينية والدنيوية.
وإنه الحق بكل ما جاء به من عقائد، وعبادات، ومعاملات، وشرائع وآداب وسير هو الحق من الله تعالى:
) وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ [[120].
وهو الصدق والعدل:
) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ [[121].
إنه صادق في الإخبار عن الله وصفاته.
وصادق في الإخبار عن رسله وأنبيائه.
وصادق في إخباره عن كل غيب وقع أو سيقع.
) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{2} [[122].
ومتمم لما جاء في الكتب السابقة من خير وعدل، ومصدق لما جاءه فيها من الحق ومهيمن عليها جميعاً.
إن الإيمان بالكتب السماوية ركن من أركان الإيمان، وحقيقة من الحقائق التي جاء بها القرآن.
) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [[123].
المناقشة:
1ـ القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة نزل بها الروح الأمين اذكر بعض الآيات التي تشير إلى هذا.
2ـ كيف نزل القرآن وما أول آية نزلت منه؟
3ـ كيف جمع القرآن؟ ومن أول من فكر في جمعه؟ ولماذا فكر في جمعه؟
4ـ ( أ ) هل كان النبي r يأمر بكتابة ما ينزل عليه من القرآن؟
( ب ) اذكر أسماء ثلاثة من كتاب الوحي.
الفهــــرس:
الفصل الأول: الصفحة:
الإيمان بالرسل: ................................................................5
تمهيد............................................................................9
أولاً: من هو الرسول.............................................................5
( أ ) الرسول بشر................................................................6
( ب ) الرسول رجل.............................................................7
( ج ) الرسول يوحى إليه.......................................................7
ثانياً: الرسالة اصطفاء............................................................7
ثالثاً: صفات الرسل..............................................................8
1-الصدق.......................................................................8
2ـ الأمانة.......................................................................9
3ـ الفطنة والذكاء................................................................9
4ـ كرم النفس..................................................................10
5ـ الثبات على الحق............................................................10
رابعاً: عصمة الرسل.............................................................12
( أ ) حدود العصمة...............................................................12
( ب ) مفهوم العصمة.............................................................12
( ج ) وقت العصمة..............................................................13
( د ) رد الشبهات................................................................13
خامساً: الوحي....................................................................15
معنى الوحي......................................................................15
سادساً: مهمة الرسل...............................................................15
1ـ تبليغ الرسالة.................................................................17
2ـ تعريف الناس بالله تعالى......................................................17
3ـ التعريف بعالم الغيب..........................................................17
4ـ التعريف بالأحكام الشرعية....................................................18
5ـ إيقاظ القلوب بالتبشير والإنذار...............................................18
6ـ تقديم الأسوة الحسنة..........................................................19
سابعاً: حاجة الناس إلى الرسل....................................................19
ثامناً: السبيل إلى معرفة الرسل....................................................21
( أ ) المعجزات...................................................................21
( ب ) التبشير بهم................................................................21
( ج ) صفاتهم....................................................................21
الفصل الثاني:
المعجزة...........................................................................25
أمثلة من المعجزات...............................................................25
معجزة موسى عليه السلام.........................................................26
معجزة عيسى عليه السلام.........................................................26
معجزة محمد r..................................................................27
نبع الماء من أصابعه..............................................................27
حنين الجذع له...................................................................27
وجه دلالة المعجزة على صدق الرسول............................................27
الفرق بين المعجزة وغيرها من خوارق العادة.....................................28
لكل أمة رسول...................................................................28
عدد الرسل.......................................................................29
الرسالات يصدق بعضها بعضاً...................................................29
القرآن الكريم....................................................................30
من أوجه إعجاز القرآن الكريم....................................................31
1ـ نظمه........................................................................31
2ـ بلاغته.......................................................................31
3ـ إخباره بالغيب................................................................32
4ـ تشريعه المحكم...............................................................33
الركن الرابع من أركان الإيمان....................................................35
الإيمان بالكتب السماوية..........................................................35
عدد الكتب.......................................................................35
الكتب المدونة...................................................................36
تعريف بهذه الكتب...............................................................36
القرآن الكريم....................................................................40
كيف جمع ودون.................................................................41
من ميزات القرآن على غيره من الكتب..........................................41
1ـ حفظ الله له.................................................................42
2ـ اتصال سنده وتواتر نقله....................................................42
3ـ وحدة المصحف في كل مكان................................................43
4ـ هيمنته......................................................................43
5ـ تنجيمه......................................................................43
تم بحمد الله